مقارنة بين مندلسون وكانط (سؤال الأنوار)

تصميم العرض:

×    مقدمة
×    المحور الأول:
1)   التعريف بمندلسون
2)   التنوير عند مندلسون
× المحور الثاني:
3)   التعريف بكانط
4)   التنوير عند كانط
×    المحور الثالث:
المقارنة بين جواب مندلسون وجواب كانط حول سؤال (ما الأنوار)
×    على سبيل الخاتمة

مقدمة:
في كانون الأول/ديسمبر 1784 طرحت دورية ألمانية “شهرية برلين” على قرائها السؤال التالي: “ما هي الأنوار؟”، وقد تولى الإجابة عن هذا السؤال كل من مندلسون، ثم بعده كانط، وتجدر الإشارة إلى أن كانط لم يطلع على النص الذي كتبه مندلسون قبله، يقول كانط "في الأخبار الأسبوعية الجديدة لمدينة "بيشنق"(busheing)، العدد الصادر في 13 أيلول، أقرأ اليوم، أي في الثلاثين [من الشهر نفسه] إعلانا عن صدور المجلة الشهرية البرلينية، حيث توجد إجابة السيد مندلسون على هذا السؤال نفسه. لم أطّلع عليه بعد، ولو كنت فعلت لعدلت عن الإدلاء بإجابتي التي لا يمكننا أن نعتبرها إلا مجرد تجربة تسمح لنا بتقدير مدى ما تأتي به المصادفة من توارد الخواطر."[1]
من خلال هذا العرض سنتطرق بالدراسة والتحليل لنص مندلسون ونص كانط  محاولين عقد مقارنة بينهما في الإجابة عن سؤال الأنوار.

المحور الأول:
1)   حياة موسى مندلسون( 1729 – 1786 ):
ولد مندلسون  في دسو بألمانيا ، وقضى سنوات طفولته الأولى في بيئة يهودية تقليدية نموذجية ، وفي فترة شبابه تعلم على يد شخصية يهودية مثقفة لامعة هي شخصية دافيد هيرشلي فرانكل، التوراة والتلمود والتراث الفلسفي اليهودي كفلسفة ابن ميمون، وعندما سافر" هيرشلي " إلى برلين ليعمل كرئيس لحاخامات الطائفة اليهودية هناك لحقه، ودرس هناك العلوم الحديثة، واللغتين الألمانية واللاتينية كما درس الفلسفة والأدب الألماني،  وذاع صيته كمفكر وفيلسوف. وفي 1763 م فاز بأفضل مقال في مسابقة أكاديمية في برلين بعنوان "هل العلوم الميتافيزيقية تقبل الأدلة كالعلوم الرياضية " وكان من ضمن المتسابقين" ايمانويل كانط " [2].
صادف مندسون العديد من المثقفين الألمان في عصره من بينهم كانط وليسنج، الذي كتب مسرحية "ناثان الحكيم" (Natham de weise)في 1779م  واستخدم مند لسون كنموذج لبطل المسرحية اليهودي الذي يتحدث عن الآخرة وحب الجنس البشري ، من أهم مؤلفات مند لسون" فيدون" الذي يتحدث فيه عن خلو الروح، طبع 15 طبعة وترجم إلى جميع اللغات تقريبا، كما ترجم إلى العبرية
ويقال إن هناك ثلاث شخصيات كبيرة) تدعى: الميمات الثلاث ( أثرت في تاريخ الجماعات اليهودية وتتمثل في موسى النبي – عليه السلام- وموسى بن ميمون* وموسى مندلسون، ويقال هذا للتأكيد على أهمية الشخصية الأخيرة، الفيلسوف الإنسان الألماني الذي عاش مابين ( 1729– 1786)م ، ويعد رائدا في تحقيق الاندماج اليهودي في المجتمعات الأوربية نهاية القرن 18م، أي التنوير أو الهاسكالا، وكان ذلك مبرر الإطلاق مجموعة من الألقاب عليه منها : "سقراط اليهود" ، "لوثر اليهود" ،"أفلاطون اليهود" إشارة إلى أدواره المختلفة على المستويات الفكرية، الدينية الإصلاحية وجمعة مابين الموروثين الأوربي واليهودي [3]

2) التنوير عند موسى مندلسون:
جاء مقال موسى مندلسون تحت عنوان "ما الأنوار"   إستهل مندلسن محاضرته التي تحولت فيما بعد إلى مقال ونُشر في العام 1784 ، بقوله : ” إن الألفاظ مثل التنوير، والحضارة والتربية هي ألفاظ وافدة جديدة في لغتنا ، وهي حالياً جزء من الخطاب الأدبي فقط . والجمهور العام يفهم ذلك، والسؤال: هل هذا يثبت بأن مثل هذه الألفاظ جديدة علينا كذلك ؟ أنا لا أحسب إنها جديدة علينا .
والاستعمال اللغوي ، كما يبدو يتطلع إلى التمييز بين هذا الألفاظ المترادفة ، ولكن لم يتوافر وقت لإقامة حدود فاصلة بينهما[4] .
وكان مضمون المقالة أن التنوير ليس مسألة كونية بل تهم الإنسانية جمعاء بل بل يخص جماعة معينة وهذه الجماعة هي القادرة على أن تكون متنور، ويقصد بذلك ثقافة الهاسكالا
اليهودية. فما هي الهاسكالا وماهي أهدافها؟

حركة التنوير اليهودي (الهاسكالا):
أ- التعريف اللغوي :Haskalah  كلمة عبرية مشتقة من الجذر العبري "سيخيل" ومعناها "عقل" أو "ذكاء" ثم اشتقت منها كلمة " سيكيل" بمعنى "نور" ثم استخدمت الكلمة بمعنى "استشارة" والاسم منها "مسكيل" وجمعها "سيكليم" بمعنى المتنورين أو دعاة التنوير[5] كما تعني بالعبرية،المعرفة ،الثقافة ،الدراية ،العلوم المدنية ، الحكمة  .... [6]
ب- التعريف الاصطلاحي: ذكر المؤرخين الذين تناولوا تاريخ اليهود بالدراسة عدة المفاهيم للحركة التي ظهرت من منتصف القرن 18 م، واستمرت قوية حتى 1880 م، وهم إن اختلفوا في بعض الجزئيات ، فإنهم اتفقوا في الأساسيات ومن بين تلك التعاريف نذكر:
" الهاسكالا" تعبر عموما عن بداية حركة بين اليهود أواخر القرن 18، كانت تهدف إلى تبني ثقافات ومعارف المجتمعات التي يقطنون بها، وكذا التخلي عن كل خصوصية وبمفهوم أكثر تحديد فهي ترمز إلى دراسة الكتاب المقدس العبري (التوراة)، والشعر، العلوم  .... والآداب العبرية، كما تعرف باستبدال دراسة التلمود بدراسة المواد الحديثة (العلمانية). مع معارضة التعصب والخرافات...للارتقاء باليهود من اجل مواكبة التطور في أوربا .
يعرفها ويل ديورانت: الهاسكالا هي كلمة كانت تعني  الحكمة، ولكنها أصبحت ترمز إلى التنوير اليهودي أو تمرد عدد متزايد من اليهود على سيطرة الأحبار والتلمود ،وتصميمهم على أن يندمجوا اندمجا نشيطا في تيار الفكر الحديث ، تعلم هؤلاء المتمردون الألمانية ، وتعلم بعضهم الفرنسية – لاسيما في اسر التجار والماليين واطلعوا على مؤلفات المفكرين الألمان أمثال ليسنج وكانط وهردر، وجوته ... وكثيرون نقبوا في أعمال فولتير وروسو.[7]
أما مفهوم الحركة من وجهه نظر بعض الباحثين العرب – القلائل الدين درسوها- فهو لا يختلف كثير عما سبق من مفاهيم كونهم قد استمدوها منها:
يقول سعد البازغي: " الهاسكالا تعني حركة علمانية أو دنيوية في المقام الأول تركت أثرا عميقا على اليهودية، يوازي إن لم يماثل تأثيرها على المسيحية – أي العلمانية- فقد أدت بوصفها نوعا الإصلاح الديني إلى شكل من اليهودية خال من سماته الخاصة ، يركز على المضمون السلوكي، بدلا من الالتزام بالتعاليم اليهودية التقليدية" [8].
و الهاسكالا من وجهة نظر المسيري هي: "الحركة العقلانية المستنيرة لدى اليهود، وقد أطلقت الكلمة على الحركة التي ظهرت بين يهود أوربا في منتصف القرن 18، حوالي (1750م) واستمرت قوية حتى (1880م)، كانت تدعو اليهود لان يحاولوا الحصول على حقوقهم المدنية الكاملة عن طريق الاندماج في المجتمعات التي يعيشون بين ظهرانيها، وأن يكون ولاؤهم الأول والأخير للبلاد التي ينتمون إليها، وكان دعاة التنوير يرون أن هذا ممكنا إذا ما تمكن اليهودي من اكتساب مقومات الحضارة الغربية العلمانية، وإذا ما قاموا بفصل الدين اليهودي عما يسمى بالقومية اليهودية حتى يتلاءموا مع الدولة العلمانية القومية في أوربا" [9] .
استنادا إلى المفاهيم الواردة نستطيع أن نستنتج مفهومها شاملا للتنوير اليهودي أو الهاسكالا فهذه الأخيرة تعبر- في منظورنا- عن نهضة يهودية، ومرحلة من مراحل نضج الفكر اليهودي في أوربا، ساهمت أفكار ونظريات الاستنارة الأوربية إلى حد كبير في ظهورها، بحيث يمكننا القول أن التنوير اليهودي وليد التنوير الأوربي لكن بخصوصية يهودية، وفي الوقت نفسه هو رفض وتمرد على حالة الجمود، والتخلف داخل الأنماط المادية أو العقلانية، سعيا للارتقاء باليهود و تحقيق تقدمهم عن طريق الإصلاح والتغيير في مختلف جوانب الحياة : الدين، التعليم، الثقافة والفكر، بما يحرر اليهود من الصورة التقليدية المتزمتة التي رسموها لأنفسهم والتي كانت سببا في تخلفهم بل واضطهاد الأوربيين لهم، ومن جهة أخرى يساعد على اندماج اليهود داخل المجتمعات الأوربية التي يعيشون فيها وتبني حضاراتها ومن ثم مسايرة التقدم والتطور.

المحور الثاني:
1)   حياة إمانويل كانط  (1724-1804) 

إمانويل كانط ولد في مدينة ” كانكسبورغ ” والتي كانت يومها عاصمة بروسيا ، أما والده فينحدر من أصول أسكتلندية. و تربى في أحضان عائلة دينية، كان روتينها اليومي الصلاة والتواضع والتفسير الحرفي للإنجيل. ولعل الحاصل من هذه التربية الصارمة  مجموعة خصائص تميزت بها شخصية كانط طفلاً وشاباً ورجلاً،  والتي تمثلت بدرجات عالية من الضبط والانضباط والتواضع .  بدأ برنامجه التعليمي بدراسة اللغة العبرية، ومن ثم تحول نحو اللاتينية والدروس الدينية . وكان يفضل في هذه الفترة التعليمية دروس اللغة اللاتينية والدين على دروس الرياضيات والعلوم. [10]
 كان آخر الفلاسفة المؤثرين في الثقافة الأوروبية الحديثة. وأحد أهم الفلاسفة الذين كتبوا في نظرية المعرفة الكلاسيكية. كان إيمانويل كانت آخر فلاسفة عصر التنوير الذي بدأ بالمفكرين البريطانيين جون لوك وجورج بيركلي وديفيد هيوم.
طرح ايمانويل كانط منظورا جديدا في الفلسفة أثر ولا زال يؤثر في الفلسفة الأوربية حتى الآن، أي تاثير امتد منذ القرن الثامن عشر حتى القرن الواحد والعشرين. نشر أعمالا هامة وأساسية عن نظرية المعرفة وأعمالا أخرى متعلقة بالدين وأخرى عن القانون والتاريخ.

2)   التنويرعند كانط:
تعد  مقالته ” ما التنوير ؟ ” التي هي لُب موضوعنا، هي المقالة التي ذاعت شهرتها بسبب كونها أفضل استجابة لطلب مجلة ” برلين الشهرية ”
  بدأ كانط مقالته بالقول :
 التنوير هو لحظة خروج الإنسان من معاقل مرحلة القصور الممتلئة بالجروح والكدمات الذاتية. والقصور (أو عدم النضوج) حالة تنعدم فيها القدرة الذاتية على استعمال التفكير ، وفي هذا الحال يعتمد الإنسان على قيادة وتوجيه الآخرين . وهذا القصور سببه ليس النقص في الفهم، ولكن سببه أبعد من ذلك، وهو النقص في صناعة القرار وقلة الشجاعة في استعمال العقل، والاستعانة بقيادة وتوجيه الآخرينكن شجاعاً في إستعمال تفكيرك ! هذا هو شعار التنوير. [11]
يعتبر كانط الحرية هي الشرط الأساسي لكي يتحرر العقل من هذه العادات التي جعلت منه في وضع الوصاية(التابع)، وبالتالي الحرية هي شرط كل تنوير، ويقصد كانط بالحرية الإستعمال العلني للعقل، وللعقل استخدامين حسب كانط:
الاستعمال الخاص: والذي يجب أن يتم وفق التشريعات المنصوص عليها  والرأي والتحفظات، والاستعمال العام للعقل: وهو الذي يحق فيه للشخص أن يبدي آراءه وتحفظاته حول ما هو ناقص في مجال ما، أي أن النقد العلني لا يكون إلا في فضاء عمومي.
ومن ثم أثار كانط السؤال المهم الآتيهل نعيش اليوم في عصر التنوير ؟ والجواب : كلا ، ولكننا سائرون نحو عصر التنوير، بالشكل الذي يجعل استعمال العقل متحرر من وصاية الآخرين.
 وبعد ذلك نأتي إلى المقطع الأخير من المقال، والذي فيه كانط يركز مقاله حول الحاكم المتنور والحكومة والشعب فيقول :
والحاكم الوحيد، هو الحاكم المتنور، والذي لا يخاف من الأشباح، وله وجيش مدرب ومنضبط بصورة عالية ، فهو الضمان للسلام العام.

وبهذا يمكن أن نعتبر أن مقالة "ماهو التنوير؟" لكانط هي بمثابة البيان السياسي الثوري لكانط في بلاد لم تقم بثورتها لا على الطريقة الانجليزية (1649)، و لا على الطريقة الأمريكية (1775) و لا على الطريقة الفرنسية (1789). لكن التنوير الذي رسم كانط معالمه ليس ثورة في معنى الحدث التاريخي العنيف و الجذري الذي يكنس مرة واحدة تنظيما سياسيا من أجل استبداله بآخر، التنوير ليس ثورة لكنه فعل ذاتي أخلاقي باطني للتفكير بأنفسنا ..انطولوجيا جذرية لعصر برمته يطمح إلى الحرية و يراهن على العقول و على التقدم الأخلاقي و على الارتقاء بالإنسانية إلى مواطنة كونية و سلم دائمة. إن الفرق هنا بين التنوير و الثورة هو أن التنوير لا يقتضي غير الحرية الفكرية وهي حرية غير عنيفة و تملك مفعولا ثوريا ما دامت تهدف إلى إصلاح جذري لنمط التفكير ..

المحور الثالث:
المقارنة بين مندلسون وكانط في الجواب عن سؤال الأنوار:
من خلال اطلاعنا على جواب كل من مندلسون وكانط حول سؤال ما الأنوار، يتبن أن هناك إختلاف كبير بين تصور كل منهما للأنوار:
فمندلسون يعتبر الأنوار تخص جماعة معينة وهي جماعة اليهود، وهو بذلك يقصد التنوير اليهودي أو ما يسمى ب "الهاسكلا"، والتي سبق أن فصلنا شرحها فيما سلف. وبالتالي فالتنوير عند ما ندلسون هو مسألة تخص اليهود دون غيرهم ويعني بالتنوير تحديدا ضرورة احترام الإنسان لا بوصفه كائنا عاقلا فحسب بل بما هو كائن حي له تاريخ و عادات دينية ينبغي معاملتها باحترام، يقول ماندلسون معرفا التنوير"ان التنويري ، صديق الفضيلة، ينبغي عليه أن يفعل وفق التيقظ و التبصر، و أن يتحمل بالأحرى الأحكام المسبقة بدلا عن أن يرفض القسط من الحقيقة الذي يرتبط بها على نحو عميق...ان التسامح إزاء الأحكام المسبقة أفضل من شطط التنوير الذي يؤدّي إلى إضعاف الشعور الأخلاقي و عدم التدين و الفوضى.
ضدّ هذا المعنى للتنوير يكتب كانط نصه مقترحا تصورا فلسفيا جذريا هو الذي سيبقى في ذاكرة العقل البشري منتصرا على تصور مندلسون، لأن كانط يفكر بشكل كوني أي أنه  يفكر للإنسانية جمعاء، فتصوره للأنوار لا يخص بلدا دون أخرى ولا شعبا بعينه، وحتى في حديثه عن الثورة الفرنسية فضل كانط الدفاع عن نظرية في القانون كونية و ملزمة و كفيلة بانقاذ الدستور الشرعي الضامن لكل الحريات، بدلا عن الدفاع عن الثورة الفرنسية كحدث خاص .
هذا البعد الكوني-العالمي، تتسم به جل كتابات كانط فهو على عكس الكثير من الفلاسفة المؤدلجين الذي يقفون على حدود الجغرافيا السياسية والتمركز الفكري، إن كانط يقف في صفّ أولئك الذين وصفهم الفيلسوف الألماني "كارل ياسبرز" في فصل من كتابه: "عظمة الفلسفة" بأنهم "فلاسفة إنسانيون"، من هذا المنطلق يبدو أن كانط فيلسوف الإنسانية بامتياز وبلا منازع، ولا أقصد هنا بالإنسانية ذلك الشعور الذي يكنّه كل منا إلى قضايا الإنسان مهما كان دينه أو جنسه تجاه الإنسان الكوكبي، بل إن كانط صاغ ذلك الشعور بطريقة فلسفية محكمة البناء عبر ثالوثه النقدي وحتى في كتاباته الأنثروبولوجية المتأخرة، سواء في مشروعه الأخلاقي، أو السياسي أو الجمالي أو الأنثربولوجي،
وهذا ما جعل كانط لا يزال حاضرا بقوة في الكتابات الفلسفية المعاصرة خاصة عند هابرماس وراولز، وغيرهم
وتجدر الإشارة إلى أن جل الذين ترجموا نص كانط (جواب على سؤال ما الأنوار) يعمدون إلى ترجمة عنوان النص ب ما التنوير، والتي تقابل اللفظ الألماني (Aufklarung) تميزا له عن الفظ الفرنسي (les lumières)، ويحيل التنوير على فعل استمراري منفتح وإرادي أكثر من إحالته إلى عهد محدد أو مرحلة تاريخية بعينها.

خاتمة:
وفي الختام يمكن القول بأن أفكار كانط التنويرية ظلت محافظة على مكانتها، إلا أن ما يمكن ملاحظته حول عصر التنوير بشكل عام، الذي دعى إلى أفكار التقدم والعقلانية وأكد على أولوية الانسان وحريته واستقلاله وجعل سلوكه القاعدة المعيارية لممارساته الاجتماعية، لم يحقق ما وعد به تماما، بل ومهد الطريق، كما يقول هوركهايمر وأدورنو في كتابهما "جدلية التنوير" عام 1947، لتنامي أنظمة شمولية لم تأتي عبثا، فسرعان ما اخذ المجتمع العالمي بالانقسام وتنحى الفكر النقدي عن وظيفته وأهدافه، وهو ما كون شكلا من الارتداد على الذات، الذي تمثل بالتحول إلى سيطرة الدولة الشمولية وسيادة الأقوى وليس الأفضل، الذي قاد إلى فكرة "التمركز الأوربي" ونمو الدكتاتوريات واستمرار الحروب وتصنيع الثقافة التي انطبعت في أخلاقية الإنسان الاقتصادي ومعاييره النفعية بحيث أصبح المال والقوة هما مقياس النجاح والتقدم في الحياة. ومع ذلك، يجب التمييز بين المواقف الرافضة تماما لأفكار عصر التنوير، كما جاءت عند رواد ما بعد الحداثة ومن بينهم ميشيل فوكو، وتلك التي تنتقده لتطويره، باعتباره مشروع لم يكتمل، كما هو الأمر عند يورغن هابرماس. فالأفكار التي جاء بها عصر التنوير أعطت للعقل والحرية والتجربة دورا أهم بالقياس الى التقاليد، وهو ما مكن الشعب من أن يتحرر والفرد من أن يحصل على استقلاليته والمجتمع من أن يتقدم باطراد." فالأنوار ما زالت معاصرة لنا وتشع بنورها علينا. ورغم بعض الغيوم التي تلبد سماءنا، فاننا تلاميذ هذا العصر العقلاني الفريد حتى عندما ننتقده.





[1] إمانويل كانط، ثلاث نصوص تأملات في التربية، ما اتنوير ما التوجيه في التفكير،ت محمود بن جماعة، دار محمد علي للنشر، 2005، ص94
[2]   ويل ديورانت ، قصة الحضارة ، تر. فؤاد اندوراس، مطابع الدجوي، القاهرة، 1987 م، ج41، ص 380.
*  ولد في 1135 م بقرطبة وتوفي عام 1204 م بالقاهرة وهو يعتبر اكبر فيلسوف يهودي ظهر في القرون الوسطى موسى بن ميمون القرطبي الأندلسي ، دلالة الحائرين ، تر. حسين اتاي ، مكتبة الثقافة الدينية ، مصر.  2002، )مقدمة المترجم (
[3]  البازغي)سعد (، المكون اليهودي في الحضارة الغربية، ط01، المركز الثقافي العربي، بيروت، الدار البيضاء. لبنان، المغرب.2007م. ، ص165
[4]  مندلسون نص ما الأنوار، ترجمة محمد الهلالي، مجلة الأزمنة الحديثة، عدد 2 مارس 2010، ص 78
عبد الوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، دار الشروق، مصر ،1999، مج02 03 ص،1203  [5]
  فؤاد حسنين علي ، الأدب العبري المعاصر، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة ، 1972، ص41 [6]
[7]  ول وايريل ديورانت ، قصة الحضارة ، تر. فؤاد اندوراس، مطابع الدجوي، القاهرة، 1987 م، ج41.ص384.
[8]  سعد البازغي، المكون اليهودي في الحضارة الغربية، المركز الثقافي العربي،ط1، بيروت، الدار البيضاء. لبنان، المغرب.2007  .ص49
[9]  عبد الوهاب المسيري،  الايدولجية الصهيونية  ، دراسة في حالة اجتماع المعرفة ، الكويت1983 ، ج01 ، ص62
[10] : ماتفريد كوهن ؛ السيرة الذاتية لكانط ، نشرة مطبعة جامعة كيمبريدج 2001، ص 12
[11]  كانط ؛ جواب على سؤال : ما هو التنوير ترجمة مصطفى العريصة

تعليقات