قراءة في كتاب ما المعرفة لدانكان بريتشارد

           
          قراءة في كتاب ما المعرفة لدانكان بريتشارد                                                                 






الأستاذ يونس خدروف


   I.      التعريف بجميع الأفكار الأساسية في الكتاب:
مقدمة المترجم
تتميز دراسة المعرفة أو الابستومولوجيا بالصعوبة، وهذا ما يجعل منها مسألة فكرية معقدة تتسم بكثير من التجريد، وهذا سبب العزوف عن التفكير فيها.
لكن رغم تعقدها إلا أنها مهمة لحياتنا، باعتبارها محاولة التعرف على حقيقة أسرار وجودنا وقد جاء هذا الكتاب من أجل محاولة تبسيط فهم نظرية المعرفة، الابستومولوجيا
الجزء الأول: ما المعرفة
1)       بعض المسائل التمهيدية:
أنماط المعرفة: هناك أنماط متعددة للمعرفة، وأهمها المعرفة الافتراضية والمعرفة بالقوة، أما الأولى فهي معرفة تتعلق "بالافتراض" هذا الأخير هو ما تخبرنا به جملة معينة، وتؤكد أو تثبت أنه شيء موجود في الواقع ،مثال (الأرض كروية الشكل). أما معرفة القدرة فهي معرفة الطريقة التي تمارس بها فعالية أو نشاط معين،  وهذا النوع من المعرفة يختلف عن المعرفة الافتراضية.
×         ويتبين أن المعرفة الافتراضية تتفوق في أهميتها على الأنماط الأخرى من المعرفة.
متطلبات أساسية للمعرفة: (الحقيقة والاعتقاد) أولا الحديث عن المعرفة هو حديث عن المعرفة الافتراضية بالتحديد، فهناك يتفق عليهما كل المختصين في الإبستومولوجيا، وهما الاعتقاد: لأنه من متطلبات امتلاك المرء للمعرفة، أن يكون له اعتقاد بالافتراض الذي يقصد. الحقيقة: لأن ذلك الاعتقاد لابد أن يكون حقيقيا.
×         وهذين المطلبين ضروريين للمعرفة، إذ انه إذا سقط أحدهما لا يمكننا الحديث عن المعرفة
ولأن الاعتقاد الحقيقي وحده لا يكفي للتوصل إلى المعرفة، فربما حصل لدى المرء الاعتقاد الحقيقي بمحض الصدفة، بكل بساطة لا يمكن كسب معرفة عن طريق الصدفة
فيما يخص الحقيقة فإن مجرد الاعتقاد في أن شيئا ما هو حقيقي لا يمكن أن يجعل ذلك الاعتقاد حقيقيا بالفعل، لأن معظمنا ينظر بنظرة سطحية إلى مفهوم إلى هذا المفهوم للحقيقة ويعتبره واضحا.
2)       قيمة المعرفة:
لا شك في أننا نولي قيمة كبيرة للمعرفة، لكن الأسباب التي تدفعنا إلى ذلك ليست واضحة تماما، وهو ما يدفعنا دائما إلى طرح سؤال، لماذا نهتم بالمعرفة؟ مما يجعل كذلك طبيعة هذه القيمة لا تبدوا واضحة، وبما أنه لا شك في أن الحقيقة في اعتقادات الإنسان  هي على أقل تقدير مسألة ذات قيمة، ومن الوسائل التي يمكن أن تتبع في تفسير  المعرفة أن يلاحظ المرء أنه إذا كان يعرف افتراضا معين، فذلك يعني أن لديه اعتقاد معين.
ويقترح للتصدي لهذا المشكل (مدى قيمة الاعتقادات الحقيقية ومدى قيمة المعرفة وأيهما أكثر قيمة): القول أن المعرفة قيمة فعالة  أكبر من مجرد اعتقاد حقيقي، ،مادامت أكثر فائدة بالنسبة إلينا (يمثل جانب التفسير الذي ربما يطرح في هذا الشأن بملاحظة وجود حالة من الاستقرار تمتاز  بها المعرفة وهذا ما يفتقر له الاعتقاد الحقيقي.
×    كما أن بعض أشكال المعرفة تكون ذات قيمة جوهرية، أي أنها ذات قيمة في ذاتها.
3)       تعريف المعرفة:
يطرح تعريف المعرفة إشكالا، بحيث يصعب إعطاء تعريف للمعرفة، وهو ما يسمى مشكل المعيار: وهذا الأخير يعود إلى: 1) أنه ليس بإمكان المرء أن يحدد الحالات التي تعتبر من المعرفة ما لم يعرف مسبقا معايير المعرفة. 2)أنه لا يمكن للمرء أن يعرف ما هي المعرفة، ما لم يتمكن من تحديد  الحالات التي تعتبر من المعرفة.
×         لكي تكون المعرفة أكثر من مجرد اعتقاد حقيقي، تحتاج إلى تبرير الاعتقاد.
حالات غيتير: برهن غيتير على أن هذه المعرفة لا تخلو من الضعف لأنه بوسع المرء  أن يتوصل إلى اعتقاد حقيقي مبرر وهو مع ذلك مازال بعيدا كل البعد عن المعرفة، وبرهن على أن المعرفة ليست مجرد اعتقاد حقيقي مبرر.
×         إذن هناك مقترحين : الأول أن  المعرفة هي اعتقاد حقيقي، وهو مقترح سرعان ما يتقوض بفعل حالات من الاعتقاد التي ترتبط بالحظ، ثم اقتراح الاعتقاد الحقيقي المبرر الذي قوضته نظرية غيتير، إذن لا يوجد إلى حدود الآن أي تحليل مقبول مبسط للمعرفة.
4)       تركيبة المعرفة:
الوصول إلى المعرفة يقتضي تبرير الاعتقادات وهنا يطرح السؤال ما هي هذه الاعتقادات؟:
استنادا إلى ثلاثي معضلة أغريبيا، توجد ثلاث بدائل، يمكن أن تطرح في هذا المجال:
البديل الأول: أن ننظر إلى اعتقاد المرء على أنه غير مبرر بأي شيء مطلقا، وأنه يستند إلى شيء أخر ، هذا الطرح تعترضه مشكلة أنه في حالة عدم وجود شيء يدعم الاعتقاد، عندها لا يمكن القول أنه اعتقاد مبرر.
البديل الثاني: أن ننظر إلى الاعتقاد على أنه مبرر باعتقاد آخر، المشكلة التي تواجه هذا البديل هي أن هذا الاعتقاد الأخر يجب أن يكون هو الأخر مبررا.
البديل الثالث: هناك اختيار بخصوص إسناد الاعتقادات في مرحلة معينة من سلسلة التبريرات، تظهر اعتقادات سبق أن وردت في مكان اخو من السلسلة ، لا يبدوا هذا الاختيار محبذا هو الأخر، وهكذا يبدوا من الصعوبة التفكير في طريقة يمكن بها لأي اعتقاد أن يصبح مبرر.
×        يبدوا من الواضح أننا لن نحصل على ما يفيدنا كثيرا من التحدي الذي تفرضه معضلة أغريبيا، من خلال اللجوء إلى شكل من التأسيسية أكثر مما نحصل عليه من اللجوء إلى أحد الردود القياسية الأخرى على هذه الشاكلة. مثل الترابطية المنطقية أو الامحدودية.
5)       العقلانية:
العقلانية والتبرير والمعرفة: الاعتقادات العقلانية مرشحة أكثر من غيرها لأن تنتمي إلى المعرفة أما الاعتقادات غير العقلانية فهي بطبيعتها لا تعد أمثلة عن المعرفة .
هناك علاقة قوية بين العقلانية والتبرير، ومن المقبول أن يفترض المرء في أغلب الحالات أن الاعتقاد المبرر يكون عقلانيا، والعكس بالعكس، ويجب الاهتمام "بالعقلانية المعرفية"، أما النوع غير المعرفي من العقلانية والذي ينطوي على خداع الذات فهو غير مقبول.
وتهدف العقلانية المعرفية إلى التركيز على الاعتقاد الحقيقي، وتواجهها كذلك مجموعة من المشاكل، مثلا أنه يمكن اتخاذ اعتقادات حقيقية تافهة...، هناك نوع أساسي من العقلانية يدعى "العقلانية الأخلاقية" وتنقسم إلى نوعين:
·           الباطنية المعرفية: وهي ارتباط بين العقلانية وما يمكن للشخص أن يتحمل المسؤولية عنه.
·           الظاهرانية المعرفية: وتهدف إلى تحطم الارتباط  بين العقلانية  وما يمكن للشخص أن يتحمل المسؤولية عنه.
×        المفهوم الأخلاقي هو الأقرب إلى استخدامنا الاعتيادي لمصطلح عقلاني، وبالتالي هو الأقرب إلى فهمنا الاعتيادي.
6)       مهارات وقدرات:
من خلال ما سبق فإنه أصبح من الواضح أن المعرفة إنجاز إدراكي من نوع ما، لكن من الاتجاهات التي وجب البحث فيها من أجل الصمود أمام التحديات  التي تواجه تفسير المعرفة، هو أنه ينبغي اعتبار المعرفة اعتقاد حقيقي يتم التوصل إليه بطريقة موثوق بها، هذا ما يسمى "بالوثوقية" أي أن الوصول إلى المعرفة يجب أن يكون في سياق موثوق منه، لكن هناك مشكلة وهي أنه يمكن للمرء أن يتوصل إلى اعتقاد حقيقي بطريقة موثوق منها لكن الاعتقادات المتوصل إليها ما تزال تعود إلى الحظ.
×    ومن الطرق التي تتبع لتجاوز هذا المشكل أن تفرض قيود على أنواع السياقات الموثوق منها .
           يميل المؤيدون للوثوقية والمهتمون بابستومولوجيا المهارة إلى أن يكونوا ظاهرانيين معرفيا ، لأن استخدام مهارة معرفية معنية على العكس من استخدام قدرة إدراكية.
الجزء الثاني: ما مصادر المعرفة
7)       الإدراك الحسي:
معظم معارفنا عن العالم نكتسبها عن طريق الإدراك الحسي (عن طريق الحواس) لكن حواسنا تميل في بعض الأحيان إلى أن تخدعنا،  مما يؤدي إلى عدم الوثوق بها، وهذا ما يفسر أننا لا ندرك العالم من خلال تجاربنا مباشرة على الإطلاق، إن مفهوم الإدراك الحسي الذي يفترض من خلال الدليل المستمد من الوهم هو معرفة عن واقع غير مباشر عبر تجاربنا، بإمكان الواقعية المباشرة أيضا توضيح الاختلاف بين الخصائص الأولية والثانوية للشيء، أي الفرق بين الصفات الأساسية والصفات الثانوية، كما أن هناك أيضا شكل معدل من المثالية تسمى "المثالية المتسامية" والتي تنص على أننا نعجز في التوصل إلى أية معرفة تجريبية  عن العالم الخارجي، كما أنه هناك وجهة نظر بديهية بخصوص تجربة الإدراك الحسي تسمى بالواقعية المباشرة.
8)       الشهادة والذاكرة:
المعرفة المستمدة من الشهادة هي المعرفة التي نعتقد بها معتمدين على شهادات يخبرنا  بها أشخاص آخرين، لكن من الصعب أن نتمكن من التأكد بأنفسنا بشأن الكثير مما يخبرنا به الآخرون عبر الشهادة،من الردود على هذه الإشكالية ما يعرف ب :
الاختزالية: وهي تنص على أننا ينبغي أن نكون قادرين على تقديم إسناد لا يعتمد على الشهادة لاعتقاداتنا التي تستند على الشهادة إذا أردنا التمسك بها بالشكل الصحيح كما أن هناك رد أخر يسمى ب
التصديقية: هذه النظرة تنص على أننا نستطيع التمسك بالشكل الصحيح للاعتقاد الذي يستند إلى الشهادة حتى إذا كنا عاجزين عن تقديم إسناد مستقل له. ولهاذ يمكن فهم التصديقية كفرضية ظاهرانية معرفية.
أما فيما يخص ابستومولوجيا الذاكرة فإنها تقود إلى كثير من المسائل ذاتها التي تقود إليها الشهادة وبالتالي فليس هناك سبب واضح يدعو إلى التصور أن ذاكرتنا بطبيعتها جديرة بالثقة، وبالتالي فإنه من أجل أن يكون الاعتقاد الذي يستند للذاكرة مبررا، ينبغي تقديم أدلة معرفية مساندة كافية ولا تعتمد أيضا على المعرفة.
9)       البديهة والاستدلال:
البديهة والمعرفة التجريبية: تمت اختلاف بين المعرفة البديهية والمعرفة التجريبية، فالنوع الأول هو المعرفة التي يتم اكتسابها بدون حاجة إلى تفحص للعالم، بينما النوع الأخر يكتسب على الأقل جزئيا بإجراء مثل هذا التفحص للعالم. وفيما يخص المعرفة البديهية فهي تكتسب عن طريق ما يعرف بالاستبطان. أما فيما يخص الاستدلال فهناك أنواع مختلفة منه، ويتم التمييز بين الاستدلالات استبطانية، واستدلالات استقرائية هذه الأخيرة مستمدة من فرضية أو فرضيات توفر الاستنتاج من دون أن يعني ذلك أن الاستنتاج صحيح في واقع الأمر، وهناك ما يسمى بالاستدلال ألاستبعادي، وهو عبارة عن نسخة مختزلة من الاستدلال الاستقرائي.
10)  مشكلة الاستقراء:
لإعطاء الاستدلالات الاستقرائية الشرعية، من المهم جدا أن نتمكن من تقديم تفسير لها، وذلك لأننا نستخدمها طوال الوقت وإذا لم نعتبر الاستقراء طريقة شرعية لاكتساب المعرفة، فيبدوا أن هذا من شأنه أن يمنعنا من اكتساب معرفة عملية من هذا النوع، وحتى إذا اعتمدنا على الاستدلال الاستقرائي فهذا شيء لا يخلوا من المشكلات المثير للجدل، وهذا ما ظهر من خلال دليل شهير ينسب إلى "دافيد هيوم" يوضح أن التفكير الاستقرائي لا يكون مبررا.
وللتعايش مع مشكلة الاستقراء، هناك مقترح أو طريقة "رايخنباخ"، وهي أن يعترف المرء بأنه يفتقر إلى تبرير الاستقراء، ومع ذلك يؤكد على تطبيق الاستقراء هو الشيء الأكثر عقلانية الذي بالإمكان أن يفعل، لأن أي منهج يتيح لنا التوصل إلى اعتقادات حقيقية عن العالم فهو استقراء وبذلك يمكننا الوثوق من أن الاستقراء هو أفضل منهج متوافر لدينا، بالرغم من أننا لا نمتلك أي تبرير له.
11)  المعرفة الأخلاقية: دراسة حالة
·           مشكلة المعرفة الأخلاقية: يمكن تعريف المعرفة الأخلاقية أنها تلك الافتراضات التي يتم التركيز من خلالها على حقائق أخلاقية، عندما يتحول الحكم إلى معرفة فهي حالة نموذجية من حالات المعرفة الأخلاقية.لكن يصعب توضيح الطريقة التي يتوصل بها الإنسان إلى هذا النوع من المعرفة.
·           الشكوكية بشأن الحقائق الأخلاقية: يتمثل جزء من القلق بشأن وجود حقائق أخلاقية في أنها لا تبدوا حقائق موضوعية على نحو مماثل لحقائق واقعية مثل الحقائق العلمية،
عندما يوقن المرء عدم وجود أي حقائق أخلاقية، يقال عنه أنه "تعبيري" من الناحية الأخلاقية، والتعبيريين يقرون بأن الآراء الأخلاقية لا تعبر عن حقائق لكنها بالأحرى تؤدي دورا مختلفا جدا.
·           الشكوكية بشأن المعرفة الأخلاقية: وتتمثل في أنه حتى إذا اعتبر الإنسان أن هناك حقائق أخلاقية، فهذا لا يعني وجود معرفة أخلاقية لأنه من المستحيل التوصل إلى معرفة هذه الحقائق.
·           طبيعة المعرفة الأخلاقية: بعد افتراض وجود نوع من المعرفة الأخلاقية، وجب البحث عن نوع الإبستومولوجيا التي تناسب هذا النوع من المعرفة، فنجد التأسيسية الكلاسيكية: تنص على أننا عندما نربط المعرفة البديهية للمبادئ الأخلاقية بمعرفتنا التجريبية،توصلنا إلى أحكام أخلاقية. أما الترابطية المنطقية: فتنص على عدم وجود اعتقادات تأسيسية أخلاقية، وحتى اعتقادات المرء بالمبادئ الأخلاقية من شأنها أن تتقبل المراجعة إذا تم تسليط الضوء على أحد الأدلة المضادة. والمقترح الأخير عبارة عن نمط من إبستومولوجيا المهارة ويسمح بالتوصل بصورة مباشرة إلى معرفة أخلاقية، رغم افتقار المرء إلى أساس عقلاني مستقل يدعم اعتقاده.
الجزء الثالث: هل نعرف أ ي شيء
12)  الشكوكية بشأن وجود عقول أخرى:
تطرح مشكلة العقول الأخرى باعتبارها تهتم بحقيقة مفادها أننا نبدو عاجزين عن ملاحظة وجود عقل لدى شخص أخر، بالطريقة التي نستطيع بها مشاهدة الأشياء، فكيف نتمكن من معرفة وجود عقول أخرى؟ هناك عدة محاولات للإجابة على هذا السؤال منها:
الدليل المستمد من التماثل: وهو من الطرق التي تساعدنا على حل هذه المشكلة،  بحيث يلاحظ فيه وجود أوجه التشابه بين سلوكنا وحالاتنا الذهنية، وبهذا نجري استنتاجات استقرائية عن الحالات الذهنية للآخرين الذين يتصرفون على نحو مماثل لتصرفاتنا.
×        لكن هذا الأسلوب لا يخلوا من الضعف نظرا لأن المرء لن يتمكن من الاستنتاج بصورة مشروعة من خلال وجود تماثل ضمن حالة واحدة ، ومن تم تعميم هذه النتيجة على الحالات الأخرى.
وإذا ما اعتبرنا أن العقول الأخرى موجودة فإننا نعجز عن معرفة أن هذه العقول تشبه عقولنا، بحيث يمكن أن يدرك الآخرون العالم بطريقة مختلفة عن الطريقة التي ندرك بها نحن العالم.



13)  الشكوكية المتطرفة:
هذا النوع من الشكوكية (المتطرفة)، يختلف عن النوع السابق الذي يشكك في وجود عقول أخرى، والذي كان شكه مقتصرا فقط على مشكلة العقول الأخرى، أما الشكوكية المتطرفة فهي تنص على أنه من المستحيل علينا التوصل إلى معرفة أي شيء على الإطلاق عن العالم من حولنا.
وهذه الشكوكية لا ينبغي أن نعتبرها موقفا فلسفيا بل هي من التحديات التي لابد لكل من يتصدى لوضع نظريات المعرفة أن يواجهها.
هناك نوع مهيمن من أنواع أدلة التشكك يعتمد على ما يعرف بفرضيات التشكك وهو سيناريو غير قابل لأن يميز عن حياتنا الاعتيادية التي يتعرض فيها الإنسان للخداع جذريا.
باستخدام فرضيات التشكك يمكن للإنسان المتشكك أن يستنتج، أنه لا يستطع معرفة كونه ضحية فرضية تشكك. (لأن هذا السيناريو غير قابل للتميز عن الحياة الاعتيادية) مثال الدماغ الموجود في الحوض.
هذا النوع من التشكك يستند إلى مبدأ الانغلاق وينص هذا المبدأ على أن المرء إذا توصل إلى معرفة افتراض معين وكان يعرف أن هذا يستلزم افتراض ثاني عندئذ فهو يعرف الافتراض الثاني أيضا.
   مبدأ الحساسية: بعد أن أخذنا بعين الاعتبار مدى مصداقية، وبدأ الانغلاق رأينا أن رفض هذا المبدأ، شيء يسهل قوله، لكن من الصعب تطبيقه، من الطرق الذي يحاول بها الإبستمولوجيون تحفيز هذا الرأي القول أن المعرفة تهتم بالضرورة بالاعتقادات الحقيقية (الحساسية)، إن معظم اعتقاداتنا تكون حساسة لكي اعتقاداتنا المضادة للتشيك ليست كذلك.
مذهب مور: هذا المذهب يعتمده الذي يريد التمسك بمبدأ الانغلاق، وهو يلجئ إلى شكل من الواقعية المباشرة، وهناك طريقة أخر أخرى أكثر فائدة في تدعم فكرة أننا نتمكن من معرفة ما تفرضه فرضيات التشكك، وهي اعتقادات ليس من السهول أن تكون زائفة، وهذا يعرف بمبدأ الأمان.
نظرية السياق: يتمثل رد نظرية السياق على مشكلة التشكك.  في أن هذه النظرية تنص على أن هذه النظرية نتص على أن المعرفة تتأثر جوهريا بالسياق لكن هناك مشكلة وهي أنه ليس من الواضح أن جدل المشككين يعتمد بشكل بالفعل على معايير معرفية بهذا الشكل، في واقع الأمر يبدو أن جدل المشككين يمضي بما يتماشى مع المعايير المعرفية كافة، وليس المعايير الصارمة جدا.
14)  الحقيقة والموضوعية
عندما نقول أن الحقيقة هي ذات صفة موضوعية، فيجب أن لا ننسى أن هذه الموضوعية  تمضي جنبا إلى جنب مع نوع من القابلية  الخطأ، لأن الأمر الأساسي في الموضوعية هو الاعتقادات والتي ربما تكون زائفة، والذين يتمسكون بوجهة النظر هذه يسمون ب"المعارضين للواقعية".
الحقيقة كهدف للبحث: يمكن التمييز بين شكلين من أشكال الموضوعية، الأول قوي لأنه ينص على أن اعتقاداتنا بالإمكان أن تكون دائما زائفة، وشكل ضعيف من الموضوعية، ينص على أن ما نعتقد فيه الآن فقط يمكن أن يكون زائف، والشكل الأول يسمو بالنظرة الواقعية للحقيقة، في مقابل الموضوعية الضعيفة التي تنسجم مع النظرة المعارضة للواقعية، وهي وجهة نظر تنص على أن الحقيقة لا يمكنها إطلاقا أن تسبق الرأي الأفضل الذي نتوصل إليه.
الأصالة وقيمة الحقيقة: يميل الإنسان دائما إلى عيش الحياة الحقيقية، وبذلك فنحن نعطي قيمة للأصالة حتى عندما تكون هذه الأصالة غير قابلة للاكتشاف، والحياة الزائفة هي ذات قيمة أقل من الحياة الحقيقية، حتى إذا لم يكن باستطاعتنا التميز بين هذين النوعين من الحياة.
النسبية: تعتبر النسبية وجهة نظر عن الحقيقة تمتاز بأنها غير موضوعية جذريا، وتنص وجهة النظر هذه على أن ما يعتقد المرء أنه حقيقي هو حقيقي فعلا.
هذا يعني أن النسبية نظرية زائفة، ولاحظنا أيضا أن الإنسان الذي يؤكد النسبية لا يمكن أن يفهم كيف يتوصل إلى المعرفة، ولا يفهم أيضا لماذا نهتم بالحقيقة إذا فهمناها على هذا النحو.

                                                     II.     الإجابة عن الأسئلة :
يعتبر كتاب ما المعرفة واحد من مئات المؤلفات التي بحثت وخاضت في مسألة المعرفة، إلا أن هذ الكتاب مميز عن باقي المؤلفات الأخرى، وذلك للفائدة الكبيرة التي يقدمها للقارئ، حول نظرية المعرفة أو ما يسمى ب "الإبستومولوجيا" باعتبارها مفهوم أساسي المعرفة الموضوعية، سواء في حقل العلوم أو في حقل المعارف العامة، والجيد في كتاب برنارد بريتشارد أنه لا يركز فقط على نظرية المعرفة في العلوم، كما فعل الكثيرون، بل زاوج بين نظرية المعرفة العلمية ونظرية المعرفة بشكل عام، فقارب نظرية المعرفة من كل الجوانب مستحضرا في ذالك الفلاسفة ونظرياتهم وأفكارهم، ومستشهدا بأمثلة تطبيقية من الواقع مما جعل الكتاب أكثر غنا من الناحية المعرفية.
وهذا ما جعل من الكتاب أكثر أهمية على المستوى المعرفي، من بين الأفكار المهمة التي تطرق لها، هي العلاقة الجدلية ما بين المعرفة الافتراضية، التي تنبني على مقدمات و منطلقات و بين المعرفة بالقدرة، و الجمع ما بينهما في علاقة متكاملة.
من الجدير بالذكر أيضا، الإشكال المتعلق بالاعتقاد في علاقته بالمعرفة، ففي الغالب نظن أن الاعتقاد يقف عائقا أمام المعرفة، إلا أنه تبين أنه يمكن أن يكون- الاعتقاد- وجه من أوجه المعرفة إذ اتسم بالحقيقة و عدم الزيف، غير أن لاعتقاد وحده لا يكفي لإصابة الحقيقة، لأنه يمكن لإنسان التوصل إلى معرفة من خلال الصدفة أو الحظ أو حتى الاحتيال، أما فيما يخص الفكرة المتعلقة بقيمة المعرفة فهي ذات قيمة فعالة وأكبر من مجرد اعتقاد حقيقي فقيمة الشيء تكمن في فعاليته و الأهداف المرجوة منه، وأيضا في كونه ذات قيمة في ذاته مثلا الحكمة والصداقة. كما رأينا في طيات فصول الكتاب  أن المعرفة تعاني من إشكال رئيسي وبالأخص في قضية تعريف المعرفة، وهو مشكلة المعيار حيث يصعب تحديد معاير متفق عليها بشأن تعريف المعرفة، أما فيما يخص إشكالية المعرفة والتبرير فعند التعاطي مع أي قضية معينة ينبغي أن يتوفر على أسس ومبادئ رصينة تبرز سبب التشبث بقضية أو اعتقاد معين. أما بخصوص العقلانية وإشكالية المعرفة والتبرير فالتعاطي مع هذا النمط من القضايا الذي يرسم ويحدد نوع من العقلانية في التعامل مع إشكالية معينة من التفكير ينبغي التركيز على الهدف والمبتغى من اعتقاد أو قضية معينة.
وهذا ما جعلني أتفق مع جل الأفكار التي وردت فيي الكتاب اللهم بعض الأفكار المتعلقة بإشكالية العقول الأخرى والتي أعتقد أنها لا تستحق كل الدراسة التي خصها بها صاحب الكتاب، وذلك لأنها ليست ذات أهمية كبيرة في نظرية المعرفة، لأنها لا تضيف جديدا لنظرية المعرفة، وحتى المشتغلين في هذا المجال لا يعطونها أهمية كبرى في دراساتهم. فقضية إدراك وجود عقول أخرى لا تستدعي بالضرورة أن نرى العقل في ماديته كشيء محسوس بل من خلال عقلانية وواقعية ممارساتنا وأفعالنا.
ملاحظات حول الكتاب:

هذا الكتاب الذي بين أيدينا قدمه المؤلف بأسلوب سلس و سهل، رغم أنه مفعم بالنظريات، إلا أنه ممتع وبذات الوقت هو مرجع مفيد جدا لكل قارئ، لأن لغته لغة بسيطة، وبذلك فهو موجه لعموم القراء وليس للمختصين في الإبستومولوجيا أو الفلسفة فقط، رغم أنه يبدو للوهلة الأولى ثقيلا على النفس، ربما بسبب كثرة الأمثلة أحيانا وتكرارها، وكذلك الإسهاب في شرح بعض الأفكار . إلا أنه رغم ذلك

تعليقات